إميل أمين
كاتب مصري
TT

واشنطن والحاجة إلى القاهرة

هل بدأت المواقف الأميركية المتعنتة تجاه مصر ترقّ وتلين بعد أن تكشفت لها حقائق الأمور وأدركت أبعاد المأزق الذي تعانيه في مواجهة الإرهاب؟
لعله من تبعات واستحقاقات تكافؤ الأضداد في الروح الأميركية الواحدة، أن تكون واشنطن؛ مالئة الدنيا وشاغلة الناس، والتي ترصد دبيب النمل، كما يقال، على هذا القدر من ضحالة المعرفة الحقيقية الواقعية، لا المعلوماتية، بدول الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي.
على أن تتابع الأحداث قد يفتح أعين واشنطن المغلقة، فبعد نحو عام ونصف من الإقدام والإحجام عن التعاطي مع مصر بأريحية، بعيدا عن المناورات السياسية، ها نحن نرى ما يشبه العودة التنظيرية إعلاميا وبحثيا لفكرة دعم مصر، حتى ولو كان الأمر لا يخلو من نرجسية مستنيرة، وبراغماتية سياسية أميركية معهودة.
بدا واضحا في الأسبوعين الماضيين أن هناك إدراكا وإقرارا بالدور المصري المحوري في مواجهة طاعون القرن الحادي والعشرين «الإرهاب»، الذي بات خطره في زمن العولمة يتجاوز الحدود ويتخطي السدود، لا سيما في ظل ظاهرة «إرهاب الإنترنت».. وعليه، بات التساؤل: «هل تتغير السياسات الأميركية الجافة تجاه مصر؟».
ليس سرا أن هناك حالة من الانزعاج غير المسبوق في الولايات المتحدة تجاه أمن إسرائيل، في مواجهة «داعش» وبقية التنظيمات الجهادية في المنطقة، ذلك أنه إن كان جل العمليات العسكرية لتنظيم «بيت المقدس» الذي بايع «داعش» مؤخرا، موجها إلى صدور رجالات الجيش المصري، فإن التنظيم، وبحسب تقديرات إسرائيلية، يخطط لعمليات ضد أهداف إسرائيلية، بالذات على الحدود مع سيناء، ويحاول إخراجها إلى حيز الواقع.
منذ بضعة أيام كتب جاي تيلور، رئيس قسم الأمن القومي في صحيفة «واشنطن تايمز» الأميركية، يقول: «(داعش) يفتح جبهة جديدة له في شمال أفريقيا، حيث يعيث المتشددون التابعون له في الأرض فسادا في شرق ليبيا، وشبه جزيرة سيناء المصرية، مما يشكل تحديا معقدا لواشنطن وحلفائها في المنطقة».
خلاصة حديث الرجل أن السيسي يحمل على كاهله عبء شن حرب ضارية ضد التطرف في المنطقة برمتها، ولهذا بات السؤال من جديد: هل يستحق الدور المصري دعما ومساعدة أميركية حقيقية، دون تلكؤ، أم يجدر بواشنطن معاقبة القاهرة؟
يبدو أن علامة الاستفهام المتقدمة باتت بالفعل مسألة بحثية مهمة في أحد أهم المراكز البحثية الأميركية، القريب من تل أبيب، ومن البيت الأبيض، على حد سواء؛ «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، ففي ورقة بحثية لديفيد شينكر، مدير برنامج السياسة العربية في المعهد، وإريك تراجر الزميل في المعهد عينه، نرى مطالبة واضحة لإدارة أوباما تحث على مساعدة مصر لا أي شيء آخر.. لماذا، وكيف؟ لأنه بوضوح جلي للعيان تتعرض مصر لهجمة إرهابية شرسة في سيناء قتل فيها حتى الساعة نحو 500 عنصر من عناصر الأجهزة الأمنية المصرية خلال السنوات الثلاث الماضية، بل إن إرهابيي سيناء يحاولون تقليد تكتيكات قطع الرؤوس التي يتبعها تنظيم داعش.
ماذا يعني ذلك؟
باختصار غير مخل، يشير إلى أن العلاقة الاستراتيجية التي تربط واشنطن والقاهرة عبر عقود ثلاثة، ساعدت فيها مصر في تعزيز ودعم الاستراتيجيات الأميركية شرق أوسطيا ودوليا، تقتضي الآن مجابهة خطر شرس متوحش، ولأن النظام المصري الحالي، كما يؤكد شينكر، أثبت التزاما فريدا من نوعه في محاربة الإرهابيين، فإنه لا بد لواشنطن من أن تساعد القاهرة في شن تلك الحرب بفعالية أكثر.
يعن لنا أن نتساءل: هل الدور المصري الساعي لمحاربة الإرهاب يقف عند هذا الحد، أم يمتد إلى بسط حضوره التقليدي الإيجابي على القضية الجوهرية والمركزية للعرب، أي القضية الفلسطينية؟
في تصريحات أخيرة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، وبعد أن أكد أن السيسي ملتزم في المطلق بمواجهة الإرهاب، أشار إلى أن مصر على استعداد أيضا للقيام بكل ما تستطيع لدفع قضية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
حديث كيري يتصل بما أشار إليه الرئيس المصري من نشر مصر قوات مراقبة مؤقتة لدى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، إن كان ذلك يساعد على نشوء وارتقاء سلام حقيقي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو وضع، بحسب تأكيدات السيسي نفسه، لن يستمر إلى الأبد، وإنما بالتنسيق مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، ورئيس السلطة الفلسطينية، ولغاية ضمان تنفيذ اتفاق السلام الدائم بين الطرفين.
والشاهد أنه بغض النظر عن ردود الفعل على المقترح المصري، فإنه يعبر عن وجود قيادة سياسية مصرية نشطة في طريق السلام، وليست لديها ترسبات لعداوات مع الدولة الإسرائيلية.
ما الذي تحتاج إليه واشنطن من القاهرة أكثر من ذلك؟
الحقائق لا يمكن إخفاؤها، والدور المصري بدا واضحا اليوم أمام مشرعي الكونغرس المتباحثين في إمكانية خفض القيود الصارمة المفروضة على المساعدات العسكرية لمصر بعد ثورة 30 يونيو.. فهل نستمع عما قريب لشهادة من وزير الخارجية الأميركية جون كيري أمام اللجان المتخصصة في الكونغرس لصالح مصر، تفرج عن مبلغ 575.5 مليون دولار، الدفعة الأخيرة من المساعدات السنوية التي تبلغ 1.3 مليار دولار، كبادرة حسن نية من واشنطن الأوبامية تجاه مصر؟
يمكن للقاهرة أن تجد دعما ماليا من أرجاء المسكونة كلها، لكن دون شوفينية، لا يمكن لواشنطن أن تجد حليفا ملتزما بالسلام ومحاربة الإرهاب مثل مصر.